في الحقيقة هذا مقتطف من كتاب صيد الخاطر لإبن الجوزي يتحدث فيه عن العين فق قال رحمه الله:
قد ركب في الطباع حب التفضيل على الجنس ، فما أحد إلا و هو يحب أن يكون أعلى درجة من غيره . فإذا وقعت نكبة أوجبت نزوله عن مرتبة سواه ، فينبغي أن يتجلد بستر تلك النكبة ، لئلا يرى بعين نقص .
ليتجمل المتعفف حتى لا يرى بعين الزحمة ، و ليتحامل المريض لئلا يشمت به ذو العافية. و قد قال صلى الله عليه و سلم لأصحابه حين قدومه مكة و قد أخذتهم الحمى فخاف أن يشمت بهم الأعداء حين ضعفهم عن السعي ، فقال : رحم الله من أظهر من نفسه الجلد ، فيرملوا ـ و الرمل شدة السعي ـ .
و زال ذلك السبب و بقي الحكم ، ليتذكر السبب فيفهم معناه .
استأذنوا على معاوية و هو في الموت ، فقال لأهله : أجلسوني ، فقعد متمكناً يظهر العافية ، فلما خرج العواد أنشد :
و تجلدي للشامتين أيهم أني لريب الدهر أتضعضع
و إذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع و ما زال العقلاء يظهرون التجلد عند المصائب و الفقر و البلاء ، لئلا يتحملوا معى النوائب شماتة الأعداء ، و إنها لأشد من كل نائبة . كان فقيرهم يظهر الغنى ، و مريضهم يظهر العافية .
بلى ، ثم نكتة ينبغي التفطن لها ، ربما أظهر الإنسان كثرة المال و سبوغ النعم ، فأصابه عدوه بالعين ، فلا يفي ما تبجح به بما يلاقي من انعكاس النعمة .
و العين لا تصيب إلا ما يستحسن ، و لا يكفي الاستحسان في إصابة العين حتى يكون من حاسد ، و لا يكفي ذلك حتى يكون من شرير الطبع .
فإذا اجتمعت هذه الصفات خيف من إصابة العين ، فليكن الإنسان مظهراً للتجميل مقدار ما يأمن إصابة العين و يعلم أنه في خير . و ليحذر الإفراط في إظهار النعم ، فإن العين هناك محذورة .
و قد قال يعقوب لنبيه عليهم السلام لا تدخلوا من باب واحد و ادخلوا من أبواب متفرقة.
و إنما خاف عليهم العين . فليفهم هذا الفصل فإنه ينفع من له تدبر .
0 التعليقات:
إرسال تعليق